فصل: الضرب الثاني من كور الديار المصرية نواحيها وأعمالها المستقرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الضرب الثاني من كور الديار المصرية نواحيها وأعمالها المستقرة:

ولها وجهان:
الوجه الأول القبلي:
وهو المعبر عنه بالصعيد؛ وقد تقدم بيانه في الكلام على الكور القديمة، وبه تسعة أعمال: العمل الأول- الجيزية. وهو أقربها إلى الفسطاط والقاهرة، ومقر ولايته مدينة الجيزة بكسر الجيم وإسكان الياء المثناة تحت وفتح الزاي المعجمة وبعدها هاء وموقعها في الإقليم موقع الفسطاط، وطولهما وعرضهما واحد؛ وإليها ينسب الربيع الجيزي راوي الأم عن الشافعي رضي الله عنه.
قال في الروض المعطار: ويقال إن بها قبر كعب الأحبار، وهي مدينة لطيفة على ضفة النيل الغربية مقابل جزيرة المقياس المتقدمة الذكر والنيل بينهما وبعض هذا العمل يأخذ في جهة الشمال إلى الوجه البحري الآتي ذكره.
قال في الروض المعطار: والجيزة اختطها عمرو بن العاص رضي الله عنه.
العمل الثاني- الأطفيحية. وهو شرقي النيل في جنوب الفسطاط مصاقبٌ بركة الحبش وبساتين الوزير.
ومقر ولايته مدينة إطفيح بكسر الهمزة وإسكان الطاء المهملة والفاء والياء والحاء المهملة وربما قلبت الطاء تاءً مثناة فوق، وهي مدينة لطيفة في البر الشرقي، وموقعها في الإقليم الثالث، ولم يتحرر لي طولها وعرضها، وعملها ما بين المقطم والنيل آخذاً عنها جنوباً وشمالاً، وليس لعملها كبير ذكر.
العمل الثالث- البهنساوية. وهو مما يلي عمل الجيزة من الجهة الجنوبية ومقر ولايته مدينة البهنسى.
قال في المشترك: بفتح الباء وسكون الهاء وفتح النون وسين مهملة مفتوحة وألف مقصورة وهي مدينة لطيفة قديمة بالصعيد الأدنى بالبر الغربي من النيل تحت الجبل بطوق المزدرع مركبة على ضفة بحر الفيوم.
وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة.
قال في الأطوال: طولها إحدى وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثمان وعشرون درجة.
العمل الرابع- الفيومية.
وهو مصاقبٌ لعمل البهنسى من غربيه، وبينهما منقطع رمل.
وهو من أعظم الأعمال وأحسنها عمارة، كثير البساتين، غزير الفواكه، دار الأرزاق.
ويقال إنه كان متصل مياه الديار المصرية فاستخرجه يوسف عليه السلام وجعله ثلثمائة وستين قرية لتمير كل قرية منها بلد مصر يوماً من أيام السنة.
قلت: وأما الآن فقد نقصت عدة قراه بسبب ما عراها من ركوب ماء البركة التي هي متصل مياهه، المتقدم ذكرها في جملة بحيرات الديار المصرية، وركوب مائها على أكثر القرى المجاورة لها، ولولا ما هو شامل له من بركة الصديق عليه السلام لكانت قد غطت جميع بلاده، إذ المياه تنصب إليها شتاءً وصيفاً على ممر الدهور وتعاقب الأيام، وليس لها مصرف تتصرف منه ضرورة إحاطة الجبال بها من الجهات التي هي بصدد أن تصرف منها، ولقد اجتهد بعض حكام الزمان على أن يتحيل في عمل مصرف يقطع في الجبل لتتصرف منه مياهها فلم يجد إلى ذلك سبيلاً.
ولو كان ذلك في حيز الإمكان، لفعله يوسف عليه السلام.
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات: ويقال إنه على جميع الفيوم سورٌ دائر، ومقر ولايته مدينة الفيوم وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة.
قال في القانون: وطولها أربع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثمان وعشرون درجة وعشرون دقيقة.
وقال في تقويم البلدان: القياس أن طولها ثلاث وخمسون درجة، وعرضها تسعٌ وعشرون درجة، وهي مدينة حسنة على ضفة البحر المنهى حسنة الأبنية، زاهية المعالم.
وبها الجوامع والربط والمدارس، وهي راكبة على الخليج المنهى من جانبيه، وهو مخترق وسطها.
قال في العزيزي: وبين الفيوم والفسطاط ثمانية وأربعون ميلاً.
العمل الخامس- عمل الأشمونين والطحاوية. وهو مصاقب لعمل البهنسي من جنوبيه، وهو عمل واسع كثير الزرع، واسع الفضاء، متقارب القرى.
ومقر الولاية به مدينة الأشمونين بضم الألف وسكون الشين المعجمة وضم الميم وسكون الواو وفي الآخر نون.
وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة على ما ذكره في تقويم البلدان والإقليم الثاني على ما يقتضيه كلام المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار حيث جعل آخر الإقليم الثاني دهروط من البهنساوية.
قال في القانون: طولها ست وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها ست وعشرون درجة؛ وهي مدينة لطيفة بالبر الغربي من النيل، كانت في الأصل مدينة قديمة بناها أشمون بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، ثم خربت ودثرت، وبنيت هذه المدينة على القرب منها.
وكان هذا العمل فيما تقدم عملين: أحدهما عمل الأشمونين هذا، والثاني عمل طحا المدينة بفتح الطاء والحاء المهملتين وألف في الآخر وقد تقدم ذكرها في الأعمال القديمة، ثم أضيفا وجعلا عملاً واحداً.
العمل السادس- المنفلوطية. وهو مصاقبٌ لعمل الأشمونين من جنوبيه، وهو من أخص خاص السلطان الجاري في ديوان وزراته، ومنه يحمل أكثر الغلال إلى الأهراء السلطانية بالفسطاط.
ومقر ولايته مدينة منفلوط.
قال في تقويم البلدان: بفتح الميم وسكون النون وفتح الفاء وضم اللام ثم واو وطاء مهملة في الآخر.
وموقعها الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة فيما ذكره في تقويم البلدان ومن أواخر الإقليم الثاني على ما يقتضيه كلام مسالك الأبصار.
قال في كتاب الأطوال: وطولها اثنتان وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها سبع وعشرون درجة وأربعون دقيقة. وهي مدينة لطيفة بالبر الغربي من النيل بالقرب من شطه.
العمل السابع- الأسيوطية وهو عمل جليل، ومقر الولاية به مدينة أسيوط بضم الألف وسكون السين وضم المثناة تحت وفي آخرها طاء مهملة.
هكذا ضبطه السمعاني في كتاب الأنساب: وذكرها في الروض المعطار في حرف الهمزة، ووقعت في شعر ابن الساعاتي بغير ألف في قوله:
لله يوم في سيوط وليلةٌ ** عمر الزمان بمثلها لا يغلط

بتنا بها والبدر في غلوائه ** وله بجنح الليل فرعٌ أشمط

والطير تقرأ والغدير صحيفةٌ ** والريح تكتب والغمام ينقط

وإثبات الألف فيها هو الجاري على ألسنة العامة بالديار المصرية، والثابت في الدواوين حذفها، وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة.
قال في الأطوال: وطولها إحدى وخسمون درجة وخمس أربعون دقيقة، وعرضها اثنتان وعشرون درجة وعشر دقائق.
وهي مدينة حسنة في البر الغربي من النيل على مرحلة من منفلوط، وبها مساجد ومدراس وأسواقٌ وقياسر وحمامات.
العمل الثامن- الإخميمية. وهو مصاقبٌ لعمل أسيوط من جنوبيه، وهو عمل ليس بالكبير، وبلاده أكثرها بالبر الغربي عن النيل، وحاضرته مدينة إخميم.
قال في تقويم البلدان: بكسر الألف وسكون الخاء المعجمة والمثناة تحت بين الميمين، والأولى منهما مكسورة وموقعها في أواخر الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة.
قال في الأطوال: وطلوها إحدى وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ست وعشرون درجة.
وهي مدينة لطيفة بالبر الشرقي عن النيل على مرحلتين من أسيوط، وبها كانت البرابي العظام المتقدمة الذكر، ويقال إن ذا النون المصري العابد الزاهد منها، وولايتها مضافة إلى قوص.
العمل التاسع- القوصية.
وهو مصاقبٌ لعمل أسيوط من جنوبه، وهو عمل متسع الفضاء بعيد ما بين القرى، ينتهي آخره إلى أسوان، آخر الديار المصرية في البر الشرقي والغربي، وهي بلاد الثمر، ومنها يجلب إلى سائر البلاد المصرية، ومقر ولايته مدينة قوص.
قال في المشترك: بضم القاف وسكون الواو وفي الآخر صاد مهملة وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة.
قال ابن سعيد: طولها سبع وخمسون درجة، وعرضها ست وعشرون درجة وهي مدينة جليلة في البر الشرقي عن النيل، ذات ديار فائقة، ورباع أنيقة، ومدارس وربطٍ وحمامات، يسكنها العلماء والتجار وذوو الأموال، وبها الباستين والحدائق المستحسنة إلا أنها شديدة الحر، كثيرة العقارب، حتى إنه يقبض لها من يدور في الليل في شوارعها بالمسارج لقتلها، ويقاربها في الكثرة أيضاً سام أبرص.
قال المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار: أخبرني عز الدين حسن بن أبي المجد الصفدي أنه عد في يوم صائف على حائط الجامع بها سبعين سام أبرص على صف واحد.
ومما يدخل في عملها مما له ولاية مستقلة مدينة أسوان قال السمعاني بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وفتح الواو وبعدها ألف ونون وخالف ابن خلكان في تاريخه فضبطه بضم الهمزة، وغلط السمعاني في فتحها.
وهي مدينة في أوائل الحد الجنوبي من الديار المصرية؛ وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة.
قال في الأطوال: طولها اثنتان وخمسون درجة، وعرضها اثنتان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة.
قال في القانون: طولها سبع وخمسون درجة، وعرضها اثنتان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة.
وهي في البر الشرقي من النيل، ذات نخيل وحدائق، وهي من قوص على نحو خمس مراحل.
قال في التعريف: وواليها وإن كان من قبل السلطان فإنه نائب الوالي قوص.
قلت: أما الآن، فقد صار لها والٍ مستقلٌ بنفسه لا حكم لوالي قوص عليه، وسيأتي الكلام عليها في مراكز البريد؛ ويأتي الكلام على ولايتها في جملة الولايات بالديار المصرية إن شاء الله تعالى.
الوجه الثاني البحري:
وهو كل ما سفل عن القاهرة إلى البحر الرومي حيث مصب النيل. وإنما سمي بحرياً لأن منتهاه البحر الرومي، ولا يلزم من ذلك تسمية الجانب الشرقي من الديار المصرية بحرياً لأن نهايته إلى بحر القلزم، لأن انتهائه إليه ليس حقيقياً لانقطاع بحر القلزم عن بلاد الديار المصرية بالجبال والبراري المقفرة، بخلاف بحر الروم فإنه متصل بالبلاد مجاور لها فناسب النسبة إليه.
قلت: وقد وقع للمقر الشهابي بن فضل الله في التعريف في بلاده وأعماله من الوهم ما لا يليق بمصري على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
وهذا الوجه هو أرطب الوجهين وأقلهما حراً، وأكثرهما فاكهة وأحسنهما مدناً ويشتمل على ثلاث شعب تحوي سبعة أعمال.
الشعبة الأولى شرقي الفرقة الشرقية من النيل:
وفيها أربعة أعمال:
العمل الأول- الضواحي: جمع ضاحية، وهي في أصل اللغة البارزة للشمس، وكأنها سميت بذلك لبروز قراها للشمس، بخلاف المدينة لغلبة الكن بها، وهو ما يجاور القاهرة من جهة الشمال من القرى، وولايتها مضافة إلى ولاية القاهرة وداخلة في حكمها، وليست منفردة بمقر ولاية غيرها.
العمل الثاني- القليوبية. وهو مصاقبٌ للضواحي من شماليها مما يلي جهة النيل، وهوعمل جليل، حسن القرى، كثير البساتين، غزير الفواكه.
ومقر الولاية به مدينة قليوب- بفتح القاف وإسكان اللام وضم المثناة تحت وسكون الواو وباء موحدة في آخرها- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة، ولم يتحرر لي طولها وعرضها، غير أنها من القاهرة في جهة الشمال على نحو فرسخ ونصف من القاهرة.
قلت: ومن بلادها بلدتنا قلقشنده وهي بلدة حسنة المظهر، غزيرة الفواكه، وإليها ينسب الليث بن سعد الإمام الكبير، وقد ذكر ابن يونس في تاريخه: أنه ولد بها.
قال: وأهل بيته يذكرون أن أصله من فارس، وليس لما يقولونه ثبات عندنا.
قال ابن خلكان: بفتح القاف وسكون اللام وفتح القاف الثانية والشين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة وبعدها هاء ساكنة وهكذا هي مكتوبة في دواوين الديار المصرية، وأبدل ياقوتٌ في معجم البلدان اللام راءً، وهو الجاري على ألسنة العامة، وعليه جرى القضاعي فيما رأيته مكتوباً في خططه: قال ابن خلكان: وهي على ثلاثة فراسخ من القاهرة وهي بلدة حسنة المنظر، كثيرة البساتين، غزيرة الفواكه وإليها ينسب الليث بن سعد الإمام الكبير.
قال ابن يونس في تاريخه: ولد بها، ثم قال: وأهل بيته يذكرون أن أصله من فارس وليس لما يقولونه ثبات عندنا. وذكر.
وقال القضاعي في خططه في الكلام على دار الليث بالفسطاط: وكان له دار بقرقشندة بالريف، بناها فهدمها ابن رفاعة أمير مصر عناداً له، وكان ابن عمه، فبناها الليث ثانياً فهدمها، فلما كانت الثالثة، أتاه آتٍ في منامه فقال له يا ليث: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} فأصبح وقد أفلج ابن رفاعة فأوصى إليه ومات بعد ثلاث.
وبقي الليث حتى توفي في منتصف شعبان سنة خمس وسبعين ومائة، وصلى عليه موسى بن عيسى الهاشمي أمير مصر للرشيد.
وترجم له ابن خلكان بالأصبهاني، ثم قال في آخر ترجمته: ويقال إنه من قلقشندته.
قلت: وما قاله ابن يونس أثبت، ويجب الرجوع إليه لأمرين: أحدهما أنه مصري وأهل البلد أخبر بحال أهل بلدهم من غيرهم. والثاني أنه قريب من زمن الليث فهو به أدرى، إذ يجوز أن يكون أصله من أصبهان، ثم نزل آباؤه قلقشندة المذكورة وولد بها وسكنها، فنسب إليها كما وقع في كثير من النسب؛ وإعادة داره بها بعد هدمها ثلاث مرات على ما تقدم ذكره في كلام القضاعي دليل اعتنائه بشأنها وميله إليها، وحينئذ فلا منافاة بين النسبتين.
وذكر في الروض المعطار أنه كان له ضيعة على القرب من رشيد من بلاد الديار المصرية، يدخل عليه منها في كل سنة خمسون ألف دينار لم تجب عليه فيها زكاة.
العمل الثالث- الشرقية. وهو مصاقب للضواحي من شماليها مما يلي جهة المقطم، والقليوبية من جهة الشمال أيضاَ، وهو من أعظم الأعمال وأوسعها.
إلا أن البساتين فيه قليلة بل تكاد أن تكون معدومة، لا تصاله بالسباخ وبداوة غالب أهله، وآخر العمران فيها من جهة الشمال الصالحية، وما وراء ذلك منقطع رمال على ما تقدم ذكره في المنقطع عنها من جهة الشرق، ومقر ولايته مدينة بلبيس. قال في تقويم البلدان: بكسر الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الباء الموحدة وسكون المثناة تحت ثم سين مهملة. كذا ذكره، والجاري على الألسنة ضم الباء في أولها، وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة.
قال في تقويم البلدان: والقياس أن يكون طولها أربعاً وخمسين درجة وثلاثين دقيقة، وعرضها ثلاثين درجةً وعشر دقائق. وهي مدينة متوسطة بها المساجد والمدارس والأسواق، وهي محط رحال الدرب الشامي. وفي الركن الشمالي الجنوبي من هذا العمل بنها. قال النووي في شرح مسلم: بكسر الباء والمعروف فتحها، وهي البلدة التي أهدى المقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم من عسلها؛ وفي آخره من جهة الشرق قطيا بفتح القاف وسكون الطاء المهملة وفتح الياء المثناة تحت وألف في الآخر. كذا وقع في التعريف ومسالك الأبصار. وفي تقويم البلدان: إبدال الألف في آخره بهاء، وهي قرية بالرمل المعروف بالجفار على طريق الشام على القرب من ساحل البحر الرومي.
قال في التعريف: وجعلت لأخذ الموجبات، وحفظ الطرقات، وأمرها مهم، ومنها يطالع بكل صادر ووارد.
العمال الرابع- الدقهلية والمرتاحية. وهو مصاقبٌ لعمل الشرقية من جهة الشمال، وأواخره تنتهي إلى السباخ وإلى بحيرة تنيس المتصلة بالطينة من طريق الشام، ومقر الولاية به مدينة أشموم بضم الهمزة وإسكان الشين المعجمة وبعدها ميم ثم واو وميم ثانية، كما ضبطه في تقويم البلدان ونقله عن خط ياقوت في المشترك والذي في اللباب إبدال الميم في آخرها بنون، وعزاه في تقويم البلدان للعامة.
قال في تقويم البلدان: والقياس أن طولها أربع وخمسون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وأربع وخمسون دقيقة. وهي مدينة صغيرة على ضفة الفرقة التي تذهب إلى بحيرة تنيس من فرقة النيل الشرقية من الجهة؛ وبآخر هذا العمل مدينة دمياط بكسر الدال المهملة وسكون الميم وياء مثناة من تحت وألف وطاء، قال في الأطوال: طولها ثلاث وخمسون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة.
وقال ابن سعيد: طولها أربع وخمسون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، وهي واقعة في الإقليم الثالث؛ وهي مدينة حسنة عند مصب الفرقة الشرقية من النيل في بحر الروم، ذات أسواق وحمامات، وكان عليها أسوار من عمارة المتوكل: أحد خلفاء بني العباس، فلما تسلطت عليها الفرنج وملكتها مرة بعد مرة خربت المسلمون أسوارها في سنة ثمان وأربعين وستمائة خوفاً من استيلائهم عليها، وهي على ذلك إلى الآن، ولها ولاية خاصة بها.
الشعبة الثانية غربي فرقة النيل الغربية:
وفيها عملان:
العمل الأول- عمل البحيرة، وهو مما يلي عمل الجيزة المقدم ذكره من الجهة البحرية، وهو عمل واسع، كثير القرى، فسيح الأرضين. ومقر ولايته مدينة دمنهور- بفتح الدال المهملة والميم وسكون النون وضم الهاء وسكون الواو وفي آخرها راء مهملة- وتعرف بدمنهور الوحش. وهي مدينة متوسطة ذات مساجد ومدارس وأسواق وحمامات. وموقعها في الإقليم الثالث، ولم يتحرر لي طولها وعرضها، غير أنها على نحو مرحلة من الإسكندرية بين الشرق والجنوب فليعتبر طولها وعرضها منها بالتقريب.
قلت: ويدخل في هذا العمل حوف رمسيس والكفور الشاسعة.
العمل الثاني- عمل المزاحمتين. وهو ما جاور خليج الإسكندرية من جهة الشمال إلى البحر الرومي وبعضه بالبر الشرقي من النيل، وحاضرته مدينة فوة. قال في تقويم البلدان: بضم الفاء وتشديد الواو، وهي مدينة متوسطة بالبر الشرقي من فرقة النيل الغربية يقابلها جزيرة لها تعرف بجزيرة الذهب ذات بساتين وأشجار ومنظرٍ رائق، وليس بها ولاية، وإنما يكون بها شادٌ للخاص، يتحدث في كثير من أمور الولاية، وهي في الحقيقة كإخميم مع قوص.
ويلي هذين العملين غرباً بشمال مدينة الإسكندرية- بكسر الهمزة وسكون السين المهلمة وفتح الكاف وسكون النون وفتح الدال وكسر الراء المهملتين وتشديد الياء المثناة تحت المفتوحة وهاء في الآخر- وموقعها في الإقليم الثالث.
قال في كتاب الأطوال: طولها إحدى وخمسون درجة وأربع وخمسون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة وثمانٌ وخمسون دقيقة، وقد تقدم القول على أصل عمارتها في الكلام على قواعد الديار المصرية قبل الإسلام.
وهي الآن بالنسبة إلى ما تشهد به التواريخ من بنائها القديم جزءٌ من كل وهي مع ذلك مدينة رائقة المنظر، حسنة الترصيف، مبنية بالحجر والكلس، مبيضة البيوت ظاهراً وباطناً كأنها حمامةٌ بيضاء، ذات شوارع مشرعة، كل خط قائم بذاته كأنها رقعة الشطرنج، يستدير بها سوران منيعان، يدور عليهما من خارجهما خندقٌ في جوانب البلد المتصلة بالبر، ويتصل البحر بظاهرها من الجانب الغربي مما يلي الشمال إلى المشرق حيث دار النيابة؛ وبهما أبراج حصينة عليها الستائر المسترة والمجانيق المنصوبة.
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات: ويقال إن منارها كان في وسط البلد وإن المدينة كانت سبع محجات، وإنما أكلها البحر، ولم يبق إلا محجة واحدة، وهي المدينة الباقية الآن وصار مكان المنار منها على مسيرة ميل. قال: ويقال إن مساجدها أحصيت في وقت من الأوقات فكانت عشرين ألف مسجد؛ وبها الجوامع والمساجد، والمدارس، والخوانق، والرط، والزوايا، والحمامات والديار الجليلة، والأسواق الممتدة. وفيها ينسج القماش الفائق الذي ليس له نظير في الدنيا، وإليها تهوي ركائب التجار في البر والبحر، وتمير من قماشها جميع أقطار الأرض، وهي فرضة بلاد المغرب، والأندلس، وجزائر الفرنج، وبلاد الروم، والشام وشرب أهلها من ماء النيل من صهاريج تملأ من الخليج الواصل إلى داخل دورها، واستعمال الماء العامة الأمر من آبارها، وبجنبات تلك الآبار والصهاريج بالوعاتٌ تصرف منها مياه الأمطار ونحوها؛ وبها البساتين الأنيقة، والمستنزهات الفائقة، ولهم بها القصور والجواسق، الدقيقة البناء، المحكمة الجدر والأبواب، وبها من الفواكه والثمار ما يفوق فواكه غيرها من الديار المصرية حسناً مع رخص الثمن؛ وليس بها مزارع ولا لها عملٌ واسع، وإن كانت متحصلها يعدل أعمالاً: من واصل البحر وغيره؛ وهي أجل ثغور الديار المصرية، لا يزال أهلهاعلى يقظة من أمور البحر والإحتراز من العدو الطارق؛ وبها عسكر مستخدم لحفظها.
قال في مسالك الأبصار: وليس بالديار المصرية مدينة حاكمها موسوم بنيابة السلطنة سواها.
قلت: وهذا فيما تقدم حين كانت النيابة بها صغيرة في معنى ولاية، أما من حين طرقها العدو المخذول من الفرنج في سنة سبع وستين وسبعمائة واجتاح أهلها وقتل وسبى، فإنها استقرت من حينئذ نيابةً كبرى تضاهي نيابة طرابلس وحماة وما في معناهما، وهي على ذلك إلى الآن؛ وسيأتي الكلام على نيابتها في الكلام على ترتيب المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الشعبة الثالثة ما بين فرقتي النيل الشرقية والغربية:
وهو جزيرتان:
الجزيرة الأولى- جانبها الشرقي يمتد في طول فرقة النيل الشرقية إلى مصبه في البحر الملح حيث دمياط بالقرب منها، وجانبها الغربي يمتد في طول فرقة النيل الغربية إلى تجاه أبي نشابة من عمل الجيزة فينشأ بحر أبيار المتقدم ذكره، ويمتد في طولها إلى قرية الفرستق خارج الجزيرة من الغرب فيتصل بفرقة النيل التي تفرع منها على ما تقدم، ويمتد في طولها إلى مصبه في البحر الملح حيث رشيد.
وتشتمل هذه الجزيرة على عملين: العمل الأول- المنوفية. وأوله من الجنوب من القرية المعروفة بشطنوف على أول الفرقة الغربية من النيل؛ ومقر ولايته مدينة منوف- بضم الميم والنون وسكون الواو وفاء في الآخر- وهي مدينة إسلامية بنيت بدلاً من مدينة قديمة كانت هناك قد خربت الآن وبقيت آثارها كيماناً، وولايتها من أنفس الولايات، وقد أضيف إليها عمل أبيار، وهو جزيرة بني نصر الآتي ذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى، وهي مدينة حسنة ذات أسواق ومساجد، ومسجد جليل للخطبة، وحمام، وخانات.
قلت: وربما غلط فيها بعض الناس فظن أنها منف المتقدمة الذكر في الكلام على قواعد مصر القديمة، وبينهما بعد كثير، إذ منف المتقدمة الذكر جنوبي الفسطاط على اثني عشر ميلاً منه كما تقدم ذكره، وهذه شمالي الفسطاط والقاهرة في أسفل الأرض.
العمل الثاني- الغربية. وهو مصاقبٌ للمنوفية من جهة الشمال، ويمتد إلى البحر الملح بين مصبي النيل إلا ما هو من عمل المزاحمتين على فرقة النيل الغربية من الشرق وهو عمل جليل القدر، عظيم الخطر، به البلاد الحسنة، والقرى الزاهية، والبساتين المتراكبة وغير ذلك؛ وفي آخره مما يلي بحر الروم موقع ثغر البرلس.
ويندرج فيه ثلاث أعمال أخر كانت قديمة، وهي القويسنية، والسمنودية، والدنجاوية، ومقر ولايته مدينة المحلة. قال في المشترك: - بفتح الميم والحاء المهملة وتشديد اللام ثم هاء في الآخر- وتعرف بالمحلة الكبرى، وقد غلب عليها اسم المحلة حتى صار لا يفهم عند الإطلاق إلا هي.
قلت: ووقع في التعريف التعبير عنها بمحلة المرحوم وهو وهمٌ، وإنما هي قرية من قراها.
قال في المشترك: ويقال لها محلة الدقلا بفتح الدال المهملة والقاف وهي مدينة عظيمة الشأن، جليلة المقدار، رائقة المنظر، حسنة البناء، كثيرة المساكن، ذات جوامع، ومدارس، وأسواق، وحمامات؛ وهي تعادل قوص من الوجه القبلي في جلالة قدرها، ورياسة أهلها، ويفرق بينهما بما يفرق به بين الوجه القبلي والوجه البحري من الرطوبة واليبوسة.
الجزيرة الثانية- ما بين بحر أبيار المتقدم ذكره، وبين الفرقة الغربية من النيل، وتعرف بجزيرة بني نصر؛ وهي عمل واحد، وحاضرته مدينة أبيار- بفتح الهمزة كما قاله في الروض المعطار وإسكان الباء الموحدة وفتح المثناة تحت وبعدها ألف ثم راء مهملة- وهي مدينة لطيفة حسنة المنظر يعمل فيها القماش الفائق من المحررات وغيرها، وموقعها من الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة؛ ولم يتحرر لي طولها ولا عرضها، وهي مضافة إلى ولاية منوف، وليس بها الآن ولاية مستقلة.